هيمنة النمط الاستهلاكي للأنفاق الحكومي و تأثيره في النمو الاقتصادي للعراق

تمت في كلية الادارة والاقتصاد / جامعة بغداد مناقشة رسالة الماجستير في الاقتصاد للطالب ( مقداد غضبان لطيف ) عن دراسته الموسومة ( هيمنة النمط الاستهلاكي للأنفاق الحكومي و تأثيره في النمو الاقتصادي للعراق ).

ان هدف الدراسة هو تتبع مسار الانفاق الحكومي بشقيه الاستثماري والجاري وتأشير بنود الانفاق ذات الطبيعة الاستهلاكية  في الاقتصاد العراقي والتطورات التي شهدها خلال مدة البحث لبيان مدى اخفاق او نجاح سياسة الانفاق الحكومي في تعزيز النمو الاقتصادي ، مع بيان مدى تأثير سياسة الانفاق الحكومي في تكريس الطبيعة الريعية للاقتصاد ، و معرفة تأثير الانفاق الجاري والاستثماري في نمو الناتج المحلي الاجمالي (النفطي وغير النفطي) باستعمال أنموذج الانحدار الذاتي للإبطاء الموزع ARDL) ).


تتلخص مشكلة البحث في تدني مستويات نمو الناتج المحلي غير النفطي والذي يعد المؤشر المعبر بعمق عن أداء الاقتصاد الكلي, بشكل متزامن مع وجود سلوك استهلاكي متزايد لسياسة الانفاق الحكومي تمثل بتفوق جانب الانفاق الجاري الممول بإيراد ريعي على حساب الانفاق الاستثماري ,مقابل إنخفاض الدور التمويلي للضرائب, مما انعكس بتعزيز قوى الاستهلاك في العراق والاضرار بالبنى التحتية المساندة لنمو قطاعات الاقتصاد و بالتالي ضعف قدرة الاقتصاد على استيعاب الانفاق الحكومي.


ينطلق البحث من فرضية مفادها ان النشاط الانفاقي الاستهلاكي التوسعي الذي تولده الموازنة يتسم بضعف تأثيره في نمو وتحفيز قطاعات الانتاج غير النفطي في العراق , مما ابقى الاقتصاد في ريعية شديدة زادت من امكانية تعريضه للصدمات الخارجية.


ان الاقتصاد العراقي شهد تطورات و ظروف متغيرة خلال مدة البحث, ابتدأت بفقدان المصدر الايرادي الريعي ليتم تمويل الانفاق الحكومي من موارد غير حقيقية ( سياسة النقد الرخيص ) خلال سنيّن الحصار, تم توجيه الجزء الكبير من ذلك الانفاق نحو تحقيق التوازن الاجتماعي والعمل على مواجهة النقص الحاد في المعروض السلعي باعتماد البطاقة التموينية لتقنين التعامل مع المعروض المحدود من السلع الغذائية فضلاً عن اعادة اعمار البنى التحتية العسكرية ضعيفة الارتباط بالانشطة الاقتصادية الداخلية مما ادى الى دخول الاقتصاد في دوامة من الدورات التضخمية و نشوء الانشطة المضاربية بشكل محفز للانشطة التضخمية والاضرار بمستويات الناتج المحلي الاجمالي ,بالمقابل ادى التيسير المالي الريعي بعد التغير السياسي عام 2003 م الى تمويل موازنات اتسمت بنمط الاستهلاك ذات معالم محدودة الأفق لإبعاد التنمية عبر توظيف جلّ الانفاق الحكومي لتشجيع التشغيل الحكومي في وظائف خدمية ضعيفة الانتاجية وايجاد قنوات انفاقية مختلفة لتوزيع الريع تتسع بإرتفاع الايرادات النفطية مقابل التغاضي او الاخفاق في تكوين بنى تحتية تُحَفّز النمو في قطاعات الاقتصاد غير النفطي, مما نجم عنه قوة طلب ضخمة جدا ومتنوعة امام هشاشة التنوع الاقتصادي وتفاقم إشكالية الاختلال الهيكلي ,ليتم تلبية ذلك الطلب من خلال سياسة الباب المفتوح على حساب قطاعات الاقتصاد السلعية غير النفطية التي إتسمت بحالة من الركود, والضغط على الاحتياطيات الاجنبية لدى البنك المركزي التي وظِفَت لتحقيق الاستقرار السعري واستنزاف قدر لا يستهان به منها دون تعظم القيمة المضافة لقطاعات الاقتصاد العراقي, ان هيمنة الانفاق الاستهلاكي على بنية الانفاق الحكومي وارتباطه بالريع النفطي والاخفاق في البحث عن بنود متنوعة من الايرادات جعلت الانفاق الحكومي يفتقد الى الكثير من القنوات لتوجيه متغيرات الاقتصاد الحقيقية بالشكل المرغوب طالما ان الاختلال الهيكلي بَقِي متأصل في هيكل الاقتصاد ,ان تلك الاتجاهات أدخلت السياسة الانفاقية بحالة من التناقض ولم تتمكن تلك السياسة من توحيد مساراتها نحو بلوغ أهداف الكفاءة الانتاجية وعدالة توزيع الريع وان ما عزز تعظيم مساحات الاستهلاك في الاقتصاد بشكل لا يستوعبه العرض الحقيقي المحلي هو استمرار القطاع الخاص في ممارسة انشطة خدمية وتجارية تتطفل على الريع النفطي دون الولوج في انشطة انتاجية لتغطية الفجوة المتزايدة بين الطلب الكلي والعرض الكلي وتحويلها حوافز حقيقية بزيادة الاستثمار والانتاج وفق معايير ربحية لتكون شروط موضوعية لاستدامة النمو الاقتصادي.

لقد تم الاستنتاج من الدراسة والوصول الى قبول فرضية البحث بأن النشاط الانفاقي الاستهلاكي التوسعي الذي تولده الموازنة العامة إتسم بضعف تأثيره في نمو وتحفيز قطاعات الانتاج غير النفطي سواءً في المدة التي سبقت عام 2003م ام في المدة التي أعقبته مما ابقى الاقتصاد في ريعية شديدة زادت من إمكانية تعريضه للصدمات الخارجية ، وان منح الانفاق الحكومي الاستهلاكي الاولوية على حساب الانفاق الاستثماري وتفاقم إشكالية الفساد المالي وسوء التخطيط وهيمنة القرار السياسي ادى الى انحسار وصعوبة الانتفاع من تخصيصات الموازنة الاستثمارية والاضرار بإمكانية إعادة إعمار البنى التحتية المدمرة لتحفيز النمو وممكنات إستهداف التنويع الاقتصادي ، و الاقتصار على المورد الواحد كمصدر تمويلي للانفاق الحكومي وضعف اللجوء الى أدوات الاستقرار التلقائي (الضرائب) في تمويل ذلك الانفاق نجم عنه قوة طلب ضخمة جداً ومتنوعة بحكم اتساع تغطية الانفاق الحكومي لفئات المجتمع امام هشاشة التنوع الاقتصادي مما ادى الى التوجه نحو الإستيرادات لتلبية ذلك الطلب مقابل إستنزاف احتياطيات البنك المركزي والاضرار بمستويات الانتاج في قطاعات الانتاج غير النفطي ضعيفة القدرة على المنافسة.

لقد توصلت الدراسة في النهاية الى مجموعة من التوصيات ، إعادة النظر بأولويات السياسة الانفاقية من خلال تعديل بنية الانفاق الحكومي لصالح الانفاق الاستثماري لمعالجة الاختلال المتأصل في هيكل الاقتصاد العراقي وتكوين هيكل انتاج كفوء ومتنوع له القدرة على توليد قيم مضافة تستوعب الطلب الكلي وإيجاد آليات تحقق التوازن بين مستويات الاستهلاك والانتاج بشكل يسهم في تقليل إستزاف الفائض الريعي الى خارج الدورة الاقتصادية ، و ضرورات التنويع التي تستلزم تكوين قطاع خاص مبادر محلياً ومتكامل مع نشاط الحكومة, يتطلب إيجاد إطار رصين لبيئة الاعمال يتم تحديده من كلا الطرفين ( الحكومة والقطاع الخاص ) ويحقق فيه التوازن بين اجور العاملين في القطاع العام والقطاع الخاص , اذ يؤدي تكوين مثل هذه الأطر المواتية لبيئة أعمال النشاط الخاص تقليل التوجه نحو المؤسسات الحكومية للتوظيف بشكل يقلل من الضغط على الموازنة العامة وطبيعتها الاستهلاكية , ويمكن  ربط العاملين في القطاع الخاص بقاعدة بيانات كفوءة  لحصر العاملين في هذا القطاع وإستقطاع التوقيفات التقاعدية بغية منحهم الحقوق التقاعدية حال بلوغهم سن التقاعد القانوني .

Comments are disabled.